سيرتي الذاتية
نبذه عن
عندما تخرجت من كلية الطب البشري والجراحة بجامعة الأزهر عام 2006، من الأوائل على دفعتي بحمد الله و نعمته، كانت تلك الخطوة بداية طريق طويل في فهم الجسد البشري من الداخل، وتشخيص الأمراض بدقة علمية وإنسانية. لم تكن المعرفة الطبية بالنسبة لي مجرد معلومات مكتوبة، بل رحلة مستمرة للغوص في أعماق لا نهائية من العلوم الطبية الحديثة، مدفوعة برغبة صادقة في تخفيف المعاناة عن المرضي و إرضاء شغفي بالعلم و الطب.
حين يصبح التشخيص قصة حياة… داخل غرفة العمليات
في مستشفيات جامعة الأزهر، لم يكن عملي كطبيب مقيم في قسم الأشعة التشخيصية محصورًا خلف الشاشات وبين التقارير. كنت دائمًا مؤمنًا أن الصورة وحدها لا تكفي، وأن الفهم الحقيقي يتطلب أن ترى بعيون الجراح وتلمس بيد الطبيب.
لهذا السبب اخترت أن أكون حاضرًا داخل غرف العمليات، ليس فقط كمراقب، بل كمشارك فاعل. وقفت إلى جانب الجراحين، وشاركتهم العمل بيدي، أساعد في العمليات الجراحية، وأتعلم من تفاصيلهم الدقيقة، وأعيش معهم التحديات والقرارات الحاسمة. هذه الخبرة العميقة عززت فهمي للجسد البشري ورفعت دقة تشخيصي.
هذه التجربة الميدانية الاستثنائية منحتني أيضا فهمًا عميقًا للعلاقة بين ما أراه في صور الأشعة، وبين الواقع السريري الذي يواجهه المريض و الجراح معًا.
التخصص والبحث العلمي: حين يتحول العلم إلى أداة لإنقاذ الحياة
في عام 2010، حصلت على درجة الماجستير بتقدير امتياز، حيث تناولت رسالتي البحثية “استخدام قسطرة شرايين المخ في التطبيقات العلاجية”، وهي محطة فتحت أمامي أبواب الأشعة التداخلية، ذلك المجال الذي جمع بين دقة التشخيص وجرأة التدخل العلاجي. ومن هناك، واصلت رحلتي الأكاديمية كعضو هيئة تدريس بكلية الطب، حاملًا معي شغف دمج الطب بالابتكار، والبحث المستمر عن حلول جديدة تعبر بالمريض من الألم إلى الأمل.
الخبرة الأوروبية في ألمانيا: رحلة نحو احتراف الأشعة التداخلية
بعد إتقاني للغة الألمانية، انتقلت إلى ألمانيا حيث فتحت أمامي أبواب التخصص الدقيق في الأشعة التداخلية. هناك، تلقيت تدريبي في مستشفياتها الرائدة تحت إشراف نخبة من رواد المجال، وتعمّقت في التقنيات الحديثة التي تمكّن من تقديم علاجات دقيقة بأقل تدخل جراحي، مع الحفاظ على أعلى معايير الأمان وجودة الحياة للمريض. كانت تجربة غنية عززت قناعتي بأن الطب رحلة مستمرة لا تعرف حدود المكان ولا الزمان.
إنجاز خليجي رائد: تأسيس بصمة في مجال الأشعة التداخلية وعلاج الآلام
في عام 2014، تشرفت بدعوتي من قبل إحدى كبرى مستشفيات الكويت، بلدي الثاني، للمساهمة في تأسيس وإنشاء واحد من أوائل وأكبر الأقسام المتكاملة للأشعة التداخلية وعلاج الآلام في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. وقد كان لي شرف العمل إلى جانب أحد ألمع الأسماء في مجال علاج العمود الفقري والمفاصل بدون جراحة، حيث شكلنا فريقًا طبيًا متخصصًا أدخل تقنيات التدخل المحدود إلى المنطقة، ونجحنا في تقديم حلول علاجية دقيقة تغني في كثير من الحالات عن الجراحات التقليدية.
مسار أكاديمي وتدريبي: السعي نحو التميز
أثناء عملي في الكويت، قررت خوض تحدي جديد - دراسة زمالة الكلية الملكية البريطانية للأشعة الإكلينيكية و التداخلية. لم يكن الهدف مجرد الحصول على شهادة، بل تطوير فهمي العميق لجسد الإنسان.
كيف غيرتني الزمالة؟
- علمتني أن أنظر للمريض ككل متكامل، لا كمجرد "صورة أشعة أو فحص طبي".
- صقلت قدرتي على ربط الأعراض المختلفة ببعضها، مثل قطع الأحجية، للوصول للتشخيص الدقيق الأشمل و الأعم ليكون ركيزة للخطة العلاجية الصحيحة. أيضا أنارت لي الطريق للممارسات الطبية الصحيحة المبنية علي أحدث ما وصل له الطب في العصر الحالي في مجال الأشعة التداخلية.
- جعلتني أكثر تواضعاً: كلما تعلمت أكثر، أدركت كم لا أعرف.
بفضل الله تعالى ثم بالإصرار والعمل الدؤوب، حققتُ نجاحاً مميزاً بحصولي على زمالة الكلية الملكية البريطانية من أول محاولة في جميع أقسامها عام 2019. لم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، بل جاء نتيجة سنوات من الجهد المتواصل، حيث قضيتُ ليالي طويلة في الدراسة وتحليل المئات من الحالات المعقدة، مدعوماً بزوجتي وعائلتي الذين وقفوا إلى جانبي في كل خطوة.
عمل دؤوب و سعي نحو تجربة علاجية مثالية لكل مريض:
على مدار أكثر من 11 عامًا، عملت بوتيرة يومية عالية، حيث استقبل ما بين 20 إلى 40 مريضًا يوميًا في العيادة الخارجية، من بينهم ما لا يقل عن 10 حالات تُجرى لهم إجراءات تدخّل محدود تحت التخدير الموضعي داخل العيادة نفسها، و 2-6 حالات داخل غرف العمليات.
وبفضل هذا الجهد المستمر، تجاوز عدد إجراءات التدخل المحدود داخل عيادتي الخارجية تقريبا 24,000 إجراء، إلى جانب أكثر من 10,000 إجراء تداخلي دقيق داخل غرف العمليات، مع خدمة ما يزيد عن 90,000 مريض في العيادات الخارجية.
عضويات علمية ومهنية عالمية: بناء الجسور بين العلم والممارسة
لإيماني بأهمية البقاء في قلب المجتمع العلمي العالمي، حرصت على أن أكون جزءًا من المنظومات التي تشكل خارطة الطب الحديث، حيث أتشرف بعضويتي في:
• الكلية الملكية بالمملكة المتحدة (لندن )
• المعهد العالمي للألم (World Institute of Pain).
• الجمعية الأوروبية للأشعة التداخلية (CIRSE).
• الجمعية البريطانية للطب الرياضي (BASEM)
ختاماً:
"ما زلت أؤمن أن الطبيب الحقيقي هو من يجمع بين عقل العالم وقلب الإنسان. رحلتي مع الطب لم تكن مجرد وظيفة، بل التزام دائم بالتعلم والابتكار لخدمة المرضى. ففي نهاية اليوم، ليس المهم كم عدد الحالات التي عالجتها، بل كم عدد الأرواح التي لمستها بإيجابية، وكم من الألم ساعدت في تخفيفه. هذه هي رسالتي، وهذا هو إرثي.
د. مصعب جعفر